كيف تستخدم دول حبوب القمح للسيطرة على الدول
في هذا المقال سنتحدث عن القمح. ما علاقته بالاستقرار ؟ و كيف يحرك الشعوب ؟ وكيف تستخدمه دول عظمى للسيطرة والنفوذ ؟
القمح |
قبل عدة ايام كنت اشاهد وثائقيا عن الثورة الفرنسية. من الاشياء التي استوقفتني عبارة شائعة غير دقيقة منسوبة الى "ماري انطوانيت" اخر ملكات فرنسا.
تقول الاسطورة انه عندما ابلغت "ماري انطوانيت" بان الفلاحين يتضورون جوعا ولم يعد لديهم الخبز ليأكلوه. اجابت دعهم يأكلون "الكعك" اذا.
بغض النظر عن صحة هذه الرواية الثورة الفرنسية اشعلها الجوع والحاجة الى رغيف خبز قادت هذه الملكة الى المقصلة. والحقيقة تقول انه بعد اكثر من قرنين على اندلاع الثورة الفرنسية ما يزال الخبز محركا اساسيا للشعوب.
القمح والسيطرة على الدول |
الخبز اهم غذاء على طاولة الطعام في بيوتنا. ايا كانت تسميته ستجدون القمح غالبا احد مكوناته الرئيسية. في منطقة حوض المتوسط اعلى معدلات استهلاك للخبز في العالم.
وفي هذه المنطقة توجد مصر .
ستخبركم جيدا جدرانها القديمة ونقوش الخبز عليها ماذا يعني القمح لها ، فالمصريون من اوائل من عرفوا طرق تخمير العجين المصنوع من القمح او الشعير.
القمح |
وعرفوا عشرات من اصناف الخبز. ظلت علاقة المصريين بالحبز وثيقة واصبحوا يستهلكون حاليا ملايين الارغفة المدعومة يوميا.
"فاضل الزعبي"
خبير الامن الغدائي :
مصر اكثر من 60٪ من احتياجاتها من القمح. يعني فاتورة استيراد القمح تقريبا ثلاثة مليار دولار سنوي.
حتى نهاية اربعينيات القرن الماضي كانت مصر تأكل مما تزرع. بل وتعتبر سلة غذاء. لكن منذ الخمسينيات تقريبا اصبح قمحها لا يكفيها.
حبوب القمح |
"فاضل الزعبي"
خبير الامن الغدائي :
الاسباب اهمها تخلف السياسات الزراعية عن امتصاص الصدمات التالية : الصدمات الهجرة من الريف ، تغير انماط الاستهلاك ، زيادة في السكان ، تأثيرات المناخية والتغيير المناخي ، تدهور الاراضي وجودتها وقدرتها على الانتاج ، ندرة المياه .. هذه كلها اسباب لم تواكبها السياسات الزراعية من القائمين على القرار الزراعي .
سنابل القمح |
عام بعد عام مع سبات الاراضي الزراعية وزيادة الاستهلاك ازداد مؤشر الاستيراد. حتى أصبحت مصر اكبر مستورد للقمح في العالم. بمعدل قد يتجاوز عشرة ملايين طن سنويا.
القمح |
هذه حكاية اكبر مستورد. فماذا عن اكبر مفضل؟
في بداية ولايته تغير لون ساكن الكرملين الجديد عندما اخبر في احد ان بلاده تستورد اكثر من 50٪ من المواد الغذائية. روسيا كانت ناهضة من اتحاد سوفيتي يستورد كامل حاجته من القمح.
القمح |
اذا رجعنا للحقبة السوفيتية كانوا هم معتمدين عالقمح الامريكي. حديثا دخلوا في نظام التحفيز الزراعي. ادخلت عنصر مهم و هو التحسين الوراثي للبذور بدل ما ينتج الدونم 500 كيلو أصبح الدونم ينتج 700 و 1000 بنفس الارض بنفس المياه بنفس الجهد بنفس راس المال بيعطي ضعف الانتاج.
القمح |
وبالفعل تحقق ذلك واكثر. فانتجت روسيا حاجتها من القمح حتى اصبحت عام 2017 اكبر مصدر للقمح. متخطية الولايات المتحدة وكندا لاول مرة.
"فاضل الزعبي"
خبير الامن الغدائي :
روسيا لن تستطيع ان تصل الى ان تتحكم بالسوق. التحكم يتم بمناطقي يمكن يستغل الى اغراض سياسية على سبيل المثال. الدولة تتماشى سياستها مع روسيا تواجه صعوبة في الحصار على القمح من السوق العالمي لارتفاع اسعاره ممكن ان تستخدم روسيا هذا القمح في دعم هذا النظام وهذه الدولة.
القمح |
نفط الكريملين الجديد كما يصفه البعض كان سلاح الولايات المتحدة التاريخي. الذي استخدمته لمواجهة السوفييت في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية.
خبز |
"فاضل الزعبي" خبير الامن الغدائي :
امريكا من الستينيات . قاموا بابحاث على الصفات الوراثية للقمح. وحتى نفذوها وقتها في المكسيك. كما انتجوا بذور محسنة تقاوم الجفاف. تقاوم الملوحة. تقاوم الصقيع. تقاوم افات النبات. الحشرات اللي بتقتل. واللي بتقلل انتاج. هذي كلياتها ساهمت هذه البذور المهجنة نباتات بمواصفات اقوى وافضل وانتاج اعلى.
كل هذه الوسائل التي ترفع الانتاج دون الحاجة الى زيادة المساحة المزروعة استثمرت بدعم حكومي ومؤسساتي لاهداف استراتيجية. خلال فترة الحرب الباردة لمساعدة الدول الفقيرة لتحقيق اكتفائها الذاتي من الغذاء وبالتالي توسعة النفوذ الامريكي.
اذا القمح سلاح نفوذ يملكه كبار العالم. فماذا عن الوطن العربي الذي يستورد اكثر من نصف السعرات الحرارية التي يستهلكها ؟
مزارع القمح |
بالتأكيد اي تضرر للامن الغذائي سيؤثر على معيشة الناس وامنهم. عندما المصريون في ثورة 25 من يناير كان هذا الهتاف ضيفا دائما. لكم يلفت انتباهي اطلاق المصريين على الخبز كلمة عيش. عجيب هذا الربط بين الرغيف والمعيشة او الحياة. لذا عمدت الحكومات المتعاقبة على مصر الى التسعيرة الجبرية لرغيف الخبز المدعوم.
فسعره الحالي ثابت منذ اكثر من 33 عاما. ولم يتحرك خلال 60 عاما الماضية سوى 3 مرات تقريبا. لان الغضب من ارتفاع سعره قد يثر غضي الشعب .
في عهد السادات عام 1977 ارتفع سعر الرغيف نحو 55٪ . فخرج الالاف الى الشوارع حتى تراجعت السلطات عن قرارها. وليس في مصر فقط .
اذا للقمح دور محوري في بناء عظمة الدول. فهو مكون الخبز والخبز مكون الاستقرار. ما يجعله سلاحا فتاكا بيد من يملكه. فمطلبا ثوريا لمن حرم منه. خاصة لشعوب لا تتخيل مائدتها دون خبز ولا تقبل مساسا به.
تعليقات
إرسال تعليق